سبب نزوح ذرية الأمير صرخة بن إدريس عن الحجاز:
بعد قراءات مكثفة في تاريخ الأشراف في الحجاز، وصلت الى إستنتاجات لنزوح ذرية الأمير صرخة بن إدريس عن ينبع الى وادي الهدة شمال مكة وقرب الطائف ثم نزوحهم الأخير من الهدة الى جهة العراق وجهة تهامة المخلاف السليماني، وفيما يلي تفصيل أسباب ذلك.
أولاً : نزوحهم عن ينبع الى جهة وادي الهدة :
كان نزوح ذرية الشريف صرخة بن إدريس من يبنع الى جهة وادي الهدة شمال مكة قرب الطائف والتي كانت لهم بها أموال وضياع في بدايات القرن العاشر الهجري ، وذلك بسبب المذبحة الكبيرة التي حصلت لأشراف ينبع على يد دولة الممالك المصرية ، وذلك أن بلاد ينبع بقيت ملاذاً لأمراء مكة في صراعاتهم الداخلية، فكانت أحياناً تؤوب إليها الأحداث من مكة، وأحياناً تنطلق منها بخروج أمير من بني الحسن منها أو بدخول أمير من بني الحسن إليها. وفي خضم الصراع الذي أحدثه ابن سبع أمير ينبع، أقر السلطان المملوكي في العام 912هـ الشريف هجار بن دراج أميراً لينبع أمـلاً في الحد من قوة يحيى بن سبع. وفي رمضان من نفس العام تمكنت حملة مملوكية من هزيمة يحيى بن سبع وجماعته وأتباعه إلا أن يحيى بن سبع استطاع الهرب ومواصلة الصراع. وفي شهي شوال وذي القعدة من نفس العام هاجم جيش مملوكي ينبع ودارت رحى معركة كبيرة بين الطرفين كانت الهزيمة على يحيى بن سبع، وقد غالى المماليك في الفتك والقتل بأهالي ينبع، ولما وصل الخبر إلى القاهرة احتفل احتفالاً كبيراً بهذا النصر، وحملت رؤوس أشراف ينبع على الرماح يُدار بها في شوارع القاهرة.
وفي حملة أخرى عام 913 تمكن المماليك من الانتصار على يحيى بن سبع وأعوانه من الأعراب وحمل إلى القاهرة ثمان مئة رأس من رؤوس العرب من بني إبراهيم الذين قتلوا في المعركة، وأشهرت على رؤوس الرماح في شوارع القاهرة.
ويرى السيد محمد بن عبد الله الحسيني الشهير بكبريت المدني صاحب كتاب "رحلة الشتاء والصيف" أن من أسباب انهيار دولة المماليك، ومقتل قانصوه الغوري مبالغته في قتل أشراف ينبع حتى يقال أن المماليك بنوا من رؤوس أشراف ينبع مسطبة، جلس عليها أمراء عسكرهم. (انظر:حمد الجاسر: بلاد ينبع، ص64، وانظر: عبد الكريم الخطيب: تاريخ ينبع، ص240).
ثانيا : نزوحهم من جهة وادي الهدة الى العراق وتهامة المخلاف :
كان نزوحهم الأخير من الحجاز أواخر القرن الثاني عشر الهجري الى جهات العراق وتهامة المخلاف نتيجة للصراع السياسي بين شريف مكة الأمير سرور بن مساعد وعمه الشريف أحمد ، والتي جرت عليهم الويلات مع حلفائهم قبائل هذيل . وهنا نورد مقتطفات من بعض الوقائع التي حصلت بين الشريف سرور بن مساعد وعمه الشريف أحمد والتي ذكرها وفصل فيها شيخ الإسلام أحمد بن زيني دحلان في كتابه "خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام" ، حيث قال : "توجه الشريف أحمد إلى الهدة وجمع عرباناً وأخذ الطائف بغير قتال، وأخذ من أهله جملة من الأموال وتوجه قاصداً مكة بمن معه من البادية، فخرج لقتاله الشريف سرور، وحصل بينهما قتال ساعتين ثم انهزم الشريف أحمد، وسار خلفه الشريف سرور من المعابدة إلى الحسينية، وذلك في سابع شوال، فأدركه ثمة وسلب عبيده وخيله وعساكره وتركه، فمكث بالحسينية ستة أيام وأراد التوجه إلى اليمن فبلغ ذلك الشريف سروراً فبادره وأخذ جميع ما عنده من العبيد وما أبقى له شيئاً، فتوجه الشريف أحمد إلى وادي رم ثم إلى خليص ثم إلى المدينة، وهذه الوقعة السابعة."
ثم يقول شيخ الإسلام الدحلان: " وفي أواخر سنة تسع وثمانين أرسل مولانا الشريف سرور سرية من الركب والخيل وصبحوا بعض قبائل هذيل، وفي سنة تسعين غزا بنفسه على الشيابين وصبحهم فأتوه صاغرين، وفي أوائل سنة تسعين أيضاً جاء الخبر لمولانا الشريف أن الشريف أحمد نزل على قبائل هذيل وجمع كثيراً منهم ونزل بهم وادي نعمان، فأرسل الشريف سرور سرية أمر عليها السيد مبارك بن عجلان، فلما أحس بهم الشريف أحمد ولى هارباً فتبعوه ووقع القتال بينهم وبين هذيل، ثم قتل من هذيل ثلاثة وصوب خمسة فرجعت السرية وبقي الشريف أحمد عند هذيل مدة، وهذه الوقعة العاشرة. ثم نزل الشريف سرور بنفسه إلى العابدية وجمع معه كثيراً من الأشراف والقبائل وأقام بها أياماً، وتفرقت قبائل الشريف أحمد ورجع إلى جبال هذيل، وهذه الحادية عشرة من الوقائع وإن لم يفع فيها قتال."
وقد يكون سبب هجرتهم عن الحجاز أسباب إقتصادية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية وطول فترات الجفاف التي عاشوها في تلك الحقبة ، وهنا نشير الى ما ذكره الأديب أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب" عندما زار الطائف وذكر بالهدة بأنها بساتين خربة بسبب طول فترة الجفاف التي مرت بها.