عقب الأمير شكر بن صرخة بن إدريس في المخلاف السليماني
عندما نزح بنو صرخة من الحجاز الى المخلاف السليماني في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، أستقر بهم الحال في منطقة تقع غرب مدينة صبيا تسمى ساحل الجعافرة وهي أرض للأشراف الجعافرة من طبقة الأشراف السليمانيون، يعودون في نسبهم الى جدهم الأعلى الشريف جعفر بن نعمة الأكبر بن علي بن داود بن سليمان بن عبد الله الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنهم أجمعين.
وساحل الجعافرة منطقة معزولة عن مثلث الصراعات السياسية التي كانت رحاها تدور في حدود المنطقة الجغرافية بين جازان وأبو عريش وصبيا.
دخل بنو صرخة مع أبناء عمومتهم الأشراف الجعافرة في حلف قبلي كما هي عادة القبائل العربية، حيث تسعى القبائل قليلة العدد أو الغريبة عن الأرض الجديدة الى الدخول في حلف مع قبائل أكبر منها لها شوكة ومنعة تستطيع معها المحافظة على أرواح أبنائها وأموالهم من تسلط المتسلطين أو قهر الظالمين. وتلتقي القبيلتان في جدهم المشترك الشريف عبد الله الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنهم أجمعين. فبنو صرخة يُنسبون لجدهم موسى الثاني بن عبد الله الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبنو جعفر يُنسبون لجدهم سليمان بن عبد الله الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وفي هذه السياق، فلدينا وثيقة مخطوطة قديمة تتضمن عقد لحلف بين جدودنا الصراخية ومعهم قبائل الجعافرة من طرف ومن الطرف الأخر قبائل الحُرّث أحد القبائل القحطانية الكبيرة والتي تمتد أراضيها على طول الحدود السعودية اليمينة ، وهو معروضة ضمن الوثائق في صفحات هذا البحث ، وهذا الحلف تم بمبادرة من شيخ قبيلة الصراخية في زمانه الشيخ حسن بن علي الصرخي - رحمه الله - (الجد الجامع لفخذ آل حسن) ، وبمشاركة شيخ شمل قبائل الجعافرة في زمانه الشيخ محمد بن حسين آل شعلان الجعفري ، والشيخ مكين بن أحمد الحصامي الحارثي شيخ شمل قبائل الحرث في زمانه ، وذلك نتيجة لإختلال الأمن في بلاد المخلاف وعودة القبائل للجاهلية الأولى وانتشار عمليات السلب والنهب والقتل بين القبائل ، في ظل غياب إمارة مركزية تحكم البلاد وتسوس العباد.
عندما نزل بنو صرخة الى المخلاف السليماني واستقروا بساحل الجعافرة مع أبناء عمومتهم الأشراف الجعافرة ، اختطوا قرية جديدة لهم سموها بقرية "الهدوي" على نفس مسمى أرضهم التي خرجوا منها من بلاد الحجاز، حيث جاء في كتاب اللباب في تهذيب الأنساب ،الجزء الثالث، للمؤلف عز الدين ابن الأثير الجزري، الصفحة 382 ،باب الهاء والدال المهملة ، الهدوي : بفتح الهاء والدال وفي آخرها واو ، هذه النسبة الى هدأة ، وهي ناحية بمكة من جهة الطائف .
كما ذكرها المؤرخ عاتق البلادي في كتابه "معجم معالم الحجاز" في باب حرف الهاء صفحة 1827 ، حيث قال : " هدة : بفتح أوله وثانية منقوص ، ويقال : الهدة بالتعريف : منزل بين مكة والطائف ، ونسبوا إليه هدوي على غير قياس " .
وقرية الهدوي تقع على ناحية وادي بيش الكبير، وأرضها زراعية خصبة، تسقى بالأمطار والسيول المنقولة التي تصب في وادي بيش من أعالي جبال السراة وتسيل حتى تصل الى مياه البحر الأحمر.
وهي اليوم مقسّمة الى قسمين ، الهدوي الشمالي والهدوي الجنوبي . الهدوي الشمالي يسكنه من بقي من ذرية الأمير صرخة بن إدريس بعد أن هاجر جزء كبير منهم الى مدينة الرياض بحثاً عن حياة كريمة لهم ولأبنائهم عملاً وتعليماً، كذلك يسكن معهم اليوم بعض الأسر الكريمة التي دخلت وحالفتهم في أزمنه مختلفة، وسكنوا معهم وصاهروهم، منهم بيوت كريمة من قبيلة كنانة العريقة ، وبيت من قبيلة الحكامية المذحجية ، وبيوت عربية كريمة أنتقلت إليهم من القرى المجاورة لهم نتيجة للزواج والمصاهرة معهم.
أما الهدوي الجنوبي أو ما يشتهر اليوم بقرية العصافة فهي سكن لذرية رجل صالح يسمى آل جده انتشرت ذريته وتكاثرت حتى استقلوا بقرية خاصة بهم، وفيهم كثير من طلبة العلم والأخيار.
ومعظمهم اليوم يحمل لقب "الصرخي" إعتزازاً ، وبعضهم يحمل لقب "الجعفري" نسبة لعموم قبائل الجعافرة ، وهم أهلنا نعتز بهم ، لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، إخواننا وسندنا وقت الشدائد . والكل يعتزي بنخوة "صبي الجعفري" نخوة جميع قبائل الأشراف الجعافرة بالمخلاف .
وبنو صرخة في المخلاف ينقسمون الى ثلاثة فخوذ رئيسية ، هي :
1- آل حسن : وهم ذرية حسن بن علي بن هادي الصرخي ، وأغلبهم اليوم يسكنون مدينة الرياض ، ومنهم بيت في قرية المحلة من قرى بلاد المخلاف .
2 - آل علي : وهم ذرية علي بن حمد بن هادي الصرخي ، وهم كأبناء عمومتهم آل حسن أنتقل جزء كبير منهم الى الرياض ، وبقي منهم بيوت في قرية الهدوي الشمالي، وفيهم بيوت في قرية الملحا وقرية أبو القعايد من قرى المخلاف.
3- آل إبراهيم : وهم ذرية إبراهيم بن هادي الصرخي ، أنتقل جزء كبير منهم لمدينة الرياض ، وبقي منهم بيوت يسكنون قرية الهدوي الشمالي ، وفيهم بيت يسكن قرية أبو السلع من قرى المخلاف .
عقب الأمير صرخة بن إدريس في مدينة الزهرة ببلاد اليمن :
يسكن اليمن اليوم من ذرية الشريف شكر بن صرخة بن إدريس في قرية المسلام أحدى قرى مديرية الزهرة التابعة لمحافظة الحديدة ، ويشتغل جل أهلها بأعمال الزراعة وتربية الماشية ، ومدينة الزهرة مدينة قديمة تقع على مجرى وادي مور أختطها عام 1220 هـ الشريف حمود بن محمد الخيراتي المشهور بأبي مسمار ، أحد أبرز أمراء المخلاف السليماني من الأمراء الأشراف آل خيرات ، وجعلها مقراً له يستقبل فيها الوفود، ويسيّر منها المقاتلين إلى سائر البلاد التي تحارب معها. دعى الشريف حمود سكان المخلاف الى الانتقال اليها وأغراهم بمنحهم الأطيان الزراعية الواسعة فيها بلا مقابل، فأنتقلت اليها كثير من أسر السادة والأشراف وسكونها وأسسوا لهم بها قرى ومزارع .
وحسب ما أفادنا به أخ فاضل من فضلائهم يسكن مدينة بيش بأن بيوت من الصراخية بوادي مور عادت الى أرض المخلاف في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، واستقر بهم الحال في مدينة بيش بعدما أسسوا لهم بها مزارع وبساتين وتجارة، ولهم اليوم حارة تختص بهم في مدينة بيش . ونحن بانتظار وصول وثائقهم القديمة التي ثبت صحة خبرهم .
وهنا أذكر قصة سمعتها من عمي غالب بن هادي الصرخي - رحمه الله -، حيث ذكر لي أنه وفي زمن مشيخة جدي الشيخ محمد بن لاحق الصرخي الملقب بـ "العارفي" - رحمه الله - وصل لقرية الهدوي شيخان جليلان من بلاد اليمن ، وبعد الإكرام والإنعام والقيام بواجب الضيافة والحفاوة وفي مجلس كبير حضره كبار رجالات القرية ذكروا للمجتمعين أنهم من ابناء عمومتهم من عقب صرخة بن إدريس وهم يسكنون بلاد اليمن ناحية وادي مور ، وإنهم إنما جاءوا صلة للرحم ، وإصلاحاً لما أنقطع ، وعرضوا عليهم تزويج من شاء منهم حتى تتم المصاهرة وتقوا اللحمة ، ولكنهم لم يجدوا تجاوباً مع دعوتهم فقفلوا عائدين الى بلادهم وأهليهم ، ولم يحصل بعدها أي تواصل الا فيما ندر، ولعل الله يمد في العمر لأبحث عنهم واستقصي أحوالهم في هذه الأمر.
ولهذا فإننا نؤكد قولنا بأن السادة الأشراف الصراخية من عقب الأمير شكر بن صرخة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين) مطلبيون هاشميون قرشيون ، حفظ الله لهم نسبهم الشريف بعدما كادوا أن يذوبوا بين قبائل العرب ، ويجهل أبنائهم أصولهم الشريفة.
ولقب "الصرخي" من الأسماء النادرة الشاذة بين أسر وقبائل العرب ولذلك لا يشتبه به في النسب أحد ، وهو من الدلائل الواضحة والبينة على تميز سيادة وشرف آل الصرخي حيث لا يشاركهم في هذا الاسم أحد من قبائل العرب في الجزيرة العربية عامة والمملكة العربية السعودية خاصة ، بينما آل الصرخي كل وثائقهم تشير بشكل صريح وواضح إلى نسبهم الى جدهم السيد الشريف صرخة ، فهو علم موقوف عليهم ، وهم معروفون به بين قبائل المخلاف من قديم الزمان والى يومنا الحاضر لم يغيروا فيه ولم ينتسبوا لغيره ، وجميع وثائقهم في البيع والشراء و اوقافهم و قسمة مواريثهم منذ أكثر من قرنين من الزمن شاهدة على ذلك ، وسوف أعرض في الملحق بعضاً من هذه الوثائق .
ومن المعلوم أن المؤلفين والمؤرخين والشعراء لا يهتمون ولا يخلدون ذكر الا من كان قريباً من بيت الحكم أو فيه ، أو من الوزارة أو السياسة ، ولذلك تعرضت أنساب بعض آل البيت للضياع وعدم الذكر وعدم الإهتمام ، ولم يتتبعهم أحد ممن ألف في أنساب آل البيت وذلك لأن من المعروف أن المتنقلة من آل البيت تختفي متابعة ذريتهم ، ولأن الشرف كان عبئاً ثقيلاً على أهله في فترات كثيرة من التاريخ نظراً لأنهم يلاحقون ويتعرضون إلى الأذى والمضايقة ، وشواهد التاريخ خير دليل على ذلك .
وبقي أن أشير بإشارة هامة وهي أن هناك قطع في إتصال النسب ، وهذا القطع بين هادي الصرخي ( الجد الجامع لأل صرخة بالمخلاف) وبين جدهم الأعلى شكر بن صرخة بن إدريس ، وهذه حقيقة لابد من الإعتراف بها ، والحق أحق أن يتبع ، وربما تظهر مصادر مخطوطة أو مطبوعة لا نعرفها الأن وليست بين يدي يظهر فيها هذا القطع من الجدود ، مع يقيني الكبير بأننا سنجد هذا القطع مؤثقاً في الوثائق والمخطوطات التي توجد اليوم لدى أحفاد العم على باهوت الصرخي – رحمه الله -، وهي وثائق تخص عموم فخوذ آل الصرخي ممن نزح للمخلاف ، كانت تحت يد جدي الشيخ محمد العارفي الصرخي وأودعها أمانة عند العم علي باهوت الصرخي لأمانته ولكون سكناه بقرية أبو السلع خارج ساحل الجعافرة ، وهذه القرية بعيدة عن مجاري السيول التي كانت تداهم قرى ساحل الجعافرة وتدخل بيوتهم لتتلف كل ما تصل إليه من وثائقهم واثاثهم وحتى الأنعام والبشر لم تسلم منها . والبركة أن شاء الله في أحفاده بإعادة الأمانة وتسليمها لنا للنظر والبحث فيها، خاصة وأن عدم إظهارها خلال السنين الماضية تسبب في افقاد القبيلة لحقها الشرعي في الأرض المسماة "هالة" والتي بدأت أعمال إنشاء المطار الجديد بقربها ، ولهذه الأرض قصة طويلة بين عمي غالب بن هادي الصرخي - رحمه الله- وشيخ شمل الجعافرة ليس المكان مناسب للبسط في ذكرها .
قصيدة قيلت في حفل هود تمدح الأشراف الجعافرة ومعهم الأشراف الصراخية
وثيقة الحلف القبلي بين الصراخية والجعافرة من طرف وقبائل الحرث من طرف أخر ، مؤرخة بالعام 1267 هـ
صورة من خرائط قوقل توضح موقع قرية الهدوي في ساحل الجعافرة بنمطقة جازان
خريطة توضح موقع قرية الهدوي في منطقة جازان