فضل علم التاريخ
علم التاريخ فن من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال وتشد إليها الركائب والرحال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال، ويتبين فيها العلماء والجهال، وصدق من قال:
ليس بإنسان ولا عالم من لم يع الأخبار في صدره
ومن درى أخبار من قبله أضاف أعماراً الى عمره
فالعلم هو السلاح الوحيد لإنارة الأفكار وإضاءة الطريق القويم والصراط المستقيم، والتاريخ والتراث هو ثمرة القلوب.
ومن فروع علم التاريخ علم تراجم الرجال وتاريخهم والذي أخذ مجالاً واسعاً في الثقافة الإسلامية وفي التاريخ العام وأمتزج معها بكتب الأنساب مثل التاريخ الكبير للإمام البخاري الذي كتب فيه عن أربعين ألف شخص، حتى قال عنه السبكي: " إن من ألف بعد البخاري في التاريخ أو الأسماء أو الكنى إنما هم عيال عليه “.
فالتاريخ وقراءته له أهمية بالغة في صياغة التاريخ المستقبلي وإعطاء صورة متكاملة عن الأمم والشعوب والأفراد والأحداث. قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: " من علم التاريخ زاد عقله ".
كما أن للتاريخ أهمية كبيرة في إشباع الإحساس الفكري والعاطفة الروحية، والاعتزاز بالتراث الماضي حتى ولو شابته الفتن والصراعات السياسية لأنها تفقد الأمن ولكنها تعزز الانتماء وترسخ روح التعاون، لأن الجماعة تشعر بالخوف فيولد فيها هذا الشعور روح الفداء ويوطد التضحية في سبيل الدفاع عن أهله وقبيلته، فينتقل من روح الفردية الى الجماعية ومن ثم الى الإنسانية العليا.
فضل علم النسب
علم الأنساب من العلوم الجليلة، والمعارف المفيدة، به تتصل القرابة، وبفضله تسمو الخطابة، وعن طريقه يترنم الشعراء بجميل القول، وناصع الحديث، وقد حث الشرع الشريف على الاهتمام به والمحافظة عليه والتأليف فيه، فقال عزَّ من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } (13)سورة الحجرات.
وهذا العلم الجليل يحفظ الأجيال البشرية، والسلالات القبلية، والفصائل الوراثية، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل، مرضاة للرب) وأكثر ما يعتز به العربي الأبي هو نسبه وعشيرته، بل هو مفطور على حبه، مجبول على عشقه، ولهذا فقد اعتنت الأمم والشعوب بأنسابها وأحسابها، فأولى العرب علم النسب بديع مؤلفاتهم، ورفيع مصنفاتهم، وأصبح عندهم علماً له أصوله ومبادئه وقواعده، فبه يجتمعون ويتحدون، ومن غيره يختلفون ويتفرقون:
إني وإن كنت لم ألحق بهم عملاً مقصراً عنهم في ساعدي قصر
فإن حبي لهم صاف بلا كدر ولا يضرهم إن كان بي كدر
هم الأحبة لا يشقى بقربهم جليسهم وبهم يستطيب السمر
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- شديد الاهتمام بالنسب حريصاً عليه عالماً به فكان يقول: (من ادعى أباً في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) وكان صحابته رضوان الله عليهم من أعلم الناس بالأنساب، فأبو بكر الصديق- رضي الله عنه- نسّابة العرب، وقد ورثّه ابنته عائشة - رضي الله عنها- فكانت من أعلم العرب بالنسب، ومنهم عمر بن الخطاب، وابن عباس، وحسان ابن ثابت الذي قال له -صلى الله عليه وسلم- حين أراد قريش (لأسلنك منهم كما تُسل الشعرة من العجين) ولهذا كان يقول الإمام الجليل ابن كثير: إن شعر حسان بن ثابت كان شديداً على قريش في جاهليتهم لأنه كان يعيرهم بأنسابهم، وينشر مثالبهم، ويطوي محامدهم، ولما جاء الإسلام كان أشق الشعر على قريش شعر عبدالله بن رواحة لأنه كان يعيرهم بالكفر.
والتأليف والتصنيف في علم الأنساب أمر عسير، ليس باليسير، ولا يخوض غماره إلا الأقوياء الأكفاء من الرجال، والقراءة في مصنفاته تجلب الملل والسأم لما فيها من التعقيد والتكرار والغموض والصعوبة رغم ثراء هذه المصنفات، وغلاء هذه المؤلفات إلا أنه لكل علم رجاله، فالنسابون والمهتمون بعلم النسب هم أحرى الناس بأمثال هذه المصنفات المصدرية المرجعية، وعامة الناس لهم من علم النسب ما يطربهم، ومن فن الحسب ما يخلبهم، وقد شاعت ظاهرة التأليف في النسب هذه الأيام، وولج سبيله من هو أهل له، ومن هو غير مؤهل له، فكثر الخطأ، وعمت الفوضى، واضطربت الأمور.