عقب الأمير صرخة بن إدريس
نظراً لموت الأمير صرخة بن إدريس المبكر على يد ابن أخيه حسن بن قتادة أثناء استعداد جيش أبيه الشريف قتادة لغزو المدينة المنورة وذلك لطلبه قادة الجيش بمبايعته يالإماؤة وشرافة مكة بعد أخيه الشريف قتادة بن إدريس. لم نجد من يفصل في ذكر عقب الأمير صرخة بن إدريس الا ما ذكره أبن الطقطقي في كتابه الاصيلي، ففي صفحة 106 حينما تحدث عن الشريف أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي الاكبر بن قتادة بن إدريس، قال: " أمه سلمه بنت صرخة بن إدريس حسنية بنت عم ابيه " ، مما يدل دلالة واضحة أن صرخة بن إدريس كان يصغر أخاه الشريف قتادة كثيراً ، حيث أن قتادة قتل وعمره يناهز التسعين عام في سنة 617 هـ . وزواج سلمه بنت صرخة من الشريف أبي سعيد الحسن بن علي الأكبر يعطي دلالة أن صرخة بن إدريس كان يقارب سنه سن أبناء أخيه الشريف قتادة .
كما ذكر شيخ المؤرخين العرب المؤرخ الكبير ابن خلدون ، المتوفى سنة 808هـ ، في تاريخه المسمى (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر) الجزء 4 صفحة 104 ، فقال : " الخبر عن بنى قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم عن بنى أبى نمي منهم أمرائها لهذا العهد ، كان من ولد موسى الجون الذى مر ذكره في بنى حسن عبد الله أبى الكرام وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد سليمان وزيد وأحمد ومنه تشعبت ولده فأما زيد فولده اليوم بالصحراء بنهر الحسنية وأما أحمد فولده بالدهنا وأما سليمان فكان من ولده مطاعن بن عبد الكريم بن يوسف بن عيسى بن سليمان وكان لمطاعن ادريس وثعلب بالثعالبة بالحجاز فكان لإدريس ولدان قتادة النابغة وصرخة فأما صرخة فولده شيع يعرفون بالشكرة "
وهنا يشير ابن خلدون الى أن ذرية الأمير صرخة بن إدريس موجودون في زمانه ويعرفون بالأشرف الشكرة ، وهو قول أنفرد به عن بقية المؤرخين والنسابة ونقله عنه كثير ممن جاء بعده من أهل التاريخ وعلم الأنساب ، وذلك لأن ابن خلدون زار ينبع أثناء ادائه لفريضة الحج في عام 789هـ ، وعرف أهلها وقبائلها، حيث كان قدومه لينبع للإجتماع بالعلامة ابن جماعة الينبعي وذلك للأخذ عنه والتتلمذ على يديه .
كما ذكر عقب لصرخة بن إدريس المؤرخ التركي الكبير أيوب صبري باشا عندما تحدث عن الطبقة القتادية في كتابه الجميل (مرآة جزيرة العرب) ص 78 ، حيث قال ما نصه : " وتنحدر الطبقة الرابعة من طبقات أمراء مكة الأربعة من الأشراف الكرام من نسل أبي عزيز قتادة بن إدريس الحسني . ويعتبر أولاد الشريف صرخة بن إدريس أخي أبي عزيز قتادة من سادات أمراء بلاد ينبع “.
وممن أنفرد من المتأخرين بذكر تفصيل ذرية صرخة بن إدريس المؤرخ النسابة السيد فتحي عبد القادر أبو السعود سلطان الصيادي الرفاعي الحسيني في كتابه (موسوعة أنساب آل البيت النبوي) ، حيث ذكر في المجلد الثاني -صفحة رقم 518 - مشجر لذرية صرخة بن إدريس في ولدين هما: علي القاضي وعبد الله المكثر إضافة الى ما ذكره ابن الطقطقي عن أختهم سلمه أم الشريف أبو نمي الأول وزوجة الشريف أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة.
كما ورد ذكرهم في كتاب (سلسلة الأصول في شجرة ابناء الرسول) لمؤلفه العلامة الشيخ عبدالله بن محمد بن الشارف في صفحة 120 ضمن مشجرة موسى الجون (الملحقة في نهاية البحث) .
كانت لذرية الأمير صرخة بن إدريس الإمارة على بلاد ينبع في الفترة من منتصف القرن السابع الهجري وحتى منتصف القرن الثامن الهجري وذلك كون شريف مكة في ذلك الزمن الشريف محمد أبو نمي الأول والذي يكون أبن اختهم وهم إخواله، حيث ذكرهم المؤرخ عبدالرحمن ابن خلدون في تاريخه العبر، وكان ممن عاصرهم في حياته حيث توفي رحمه الله قريباً من تلك الفترة في العام 808 للهجرة .
وممن ذكر ذرية الأمير صرخة بن إدريس المؤرخ ابن شداد في كتابه تاريخ الملك الظاهر، صفحة 329 ، حيث ذكر وفود الشريف شكر بن صرخة بن إدريس ضمن من وفد من وفود الأشراف على الملك الظاهر بيبرس في تلك السنة .
وعليه فذرية الشريف صرخة بن إدريس والتي ذكرها النسابون وأهل التاريخ هم :
1. الشريف/ شكر بن صرخة بن إدريس : كان نائباً لشريف مكة محمد أبا نمي الأول على بلاد ينبع ، فهو خاله وفي بيته تربى ونشأ ، وذلك خلال النصف الأخير من القرن السابع وحتى منتصف القرن الثامن الهجري ، حيث أستمرت ولايته ومن بعده أبناءه على ينبع حتى منتصف القرن الثامن الهجري ، حيث أنتقلت إمارة ينبع من الأشراف الشكرة الى ذرية الشريف إدريس بن حسن بن قتادة ، حيث تولى إمارتها بعدهم الشريف وبير بن مخبار من ذرية إدريس بن قتادة في عام 792 للهجرة .
إضافة الى إمارة الشريف شكر بن صرخة على ينبع ، فقد كان المبعوث الخاص لشريف مكة الأمير محمد أبا نمي الى سلطان مصر ، حيث أرساله في سنة 667 هـ لصاحب مصر الملك الظاهر بيبرس الصالحي البندقداري . حيث كتب إليه أبو نمي -يذكر له-: "أنه لما شاهد من عمه إدريس ميلاً إلى صاحب اليمن، وتحاملاً على دولته: أخرجه من مكة، وانفرد بالإمرة، وخطب له، وسأل مرسومه إلى أمراء المدينة: ألا يتخذوا عمه عليه. فاشترط عليه صاحب مصر: تسبيل بيت الله للعاكف والباد، وألا يؤخذ عنه حق، ولا يمنع زائر في ليل أو نهار، وألا يتعرض إلى تاجر ولا حاج بظلم، وأن تكون الخطبة والسكة له، ولأبي نمي على ذلك: عشرون ألف درهم في كل سنة".
ذكر ذلك المؤرخ ابن شداد في كتابه تاريخ الملك الظاهر - صفحة 329 ، حيث ذكر وفود الشريف شكر بن صرخة بن إدريس ضمن من وفد من وفود الأشراف على الملك الظاهر بيبرس في تلك السنة .
وجل الأشراف الصراخية (آل صرخة ) في المخلاف السليماني ( منطقة جازان ) واليمن اليوم هم من ذرية الشريف شكر بن صرخة بن إدريس .
وجدت في بعض كتب الأنساب أن اسمه عبدالله المكثر ، وقد يكون شكر لقب له وغلب اللقب على الاسم حتى اشتهر به ومن بعده حملته ذريته المباركة.
2. الشريف/ علي بن صرخة بن إدريس : طلب العلم صغيرا وأشتغل به عما سواه ، تولى القضاء بالمدينة المنورة ، ذكر ذلك ابن الطقطقي في مؤلفه الأصيلي، و اليوم يوجد مجموعة من عشائر العراق ترفع إنتسابها الى الشريف علي بن صرخة بن إدريس ويشتهرون باسم السادة الصرخة الحسنية.
يسر الله لي التواصل مع مجموعة من فضلائهم المشتغلين بعلوم النسب ، ودار بيننا حوار طويل تضمن تاريخ قدومهم للعراق ودخولهم في حلف الربود مع قبائل بني لام الطائية. لهم اليوم الشهرة المستفيضة بين عشائر العراق التي تجاورهم بأنهم سادة حسنية صحيحوا النسب ، والإشتهار في النسب معتبر ومقدم في حالات إثبات النسب.
وهنا أعرج على ما ذكره لي السيد علي بن حسين حميدي الصرخي أمين نسب السادة الصرخة في العراق بأن السادة الصرخة إنتقالت من الحجاز لبلاد العراق نهاية القرن الثاني عشر الهجري ، حيث دخلوا في حلف قبلي مع قبائل لام الطائية والذي يعرف بحلف الربود ، ومع تقادم الزمان وتعاقب الأيام دخلت بيوت من عشائر الفضول اللامية في الأهواز والعراق معهم وأدعت بهتاناً أنها من صميم عشائر السادة الصرخة ذرية الأمير علي بن صرخة بن إدريس . كما أفاد أن السادة الصرخة في العراق يعرفون صحيح عشائرهم ويعرفون الدخلاء عليهم، وهم اليوم متواجدون في محافظة ميسان بالعمارة ، الكحلاء ، العدل ، العازوزي ، النعناعة، الطمامة ،ابو العيش ، خواف ، ابو عمود .
وذكر كذلك أنه يوجد لديهم مشجر وعمود نسب موثق ومحقق من قبل مجموعة من المحققين في علوم النسب ومن رابطة آل البيت المجلس الأعلى للسادة الأشراف في العراق ، وزودني بصور منها . ووجدت ذلك مطابقا لما ذُكر في كتاب "عشائر الأشراف والسادة" للمحقق والباحث علي بن رعد الطائي.
3. الشريفة/ سلمه بنت صرخة بن إدريس: وهي زوجة شريف مكة الأمير أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة ، وأم شريف مكة الأمير محمد أبانمي الأول المؤسس الحقيقي لإمارة الأشراف في الحجاز والذي أستمر حكمهم حوالي الالف عام ، ومعظم أشراف الحجاز اليوم هم من ذريته ، ذكر ذلك ابن الطقطقي في كتابه الأصيلي، صفحة 106 .
وهنا كباحث تساءلت: هل بقي من ذرية الأمير صرخة بن إدريس أو من ينتسبون اليه لايزالون يعيشون ببلاد ينبع الى يومنا الحاضر ؟
قادني هذا التساؤل الى البحث في كتب التاريخ والتراجم التي تحدثت عن بلاد ينبع وسيرة رجالاتها لعلي أظفر بطرف خيط يقودني الى ذكر من تبقى من ذرية صرخة بن إدريس هناك ، فاطلعت على ما كتبه مؤرخ جزيرة العرب الشيخ حمد الجاسر عن بلاد ينبع وهو من عاش فيها جزءا كبيرا من أيام شبابه عندما ولي التدريس بها في بداية الدولة السعودية الثالثة . كما أطلعت على كتاب ( رجال وأسر من ينبع في عصور مختلف ) للأديب عبدالكريم بن محمود الخطيب من أهل الفضل ببلاد ينبع . ثم ظفرت بالكتاب الجميل (الجمان في تاريخ ينبع) لمؤلفه الشريف ناجي بن تركي الهجاري من ذرية أمراء ينبع الأشراف الهجارية أحفاد الشريف إدريس بن حسن بن قتادة بن إدريس .
وفي جميع الكتب التي أطلعت عليها عن بلاد ينبع وعن سيرة رجالاتها لم أجد أي إشارة أو ذكر لذرية الأمير صرخة بن إدريس في ينبع خلال القرون الثلاثة الأخيرة ، وحتى أقطع الشك باليقين تواصلت بشكل مباشر من الشريف ناجي الهجاري ودار بيننا حديث طويل عن ينبع وعن من يسكنها من الأشراف في هذه الأيام والأيام السابقة ، وأوضح لي الشريف ناجي بأنه لا يوجد أي عقب لذرية الأمير صرخة بن إدريس يسكنون اليوم محافظة ينبع ، لا ممن يتنسب لصرخة مباشرة أو يتسمون بالشكرة كما ذكر ذلك ابن خلدون في تاريخه ونقل عنه العاصمي في تاريخه ايضا .
هذه المعلومات التي ذكرها لي الشريف الهجاري أكدت لي صحة الأخبار الدالة عن انتقال من بقي من ذرية الأمير صرخة بن إدريس عن بلاد الحجاز خاصة مكة المكرمة وينبع وتفرقهم الى جهات بلاد اليمن وبلاد العراق، ويعزز ذلك ما وجدته مخطوطا في وثائق وحجج استحكام ورثناها عن جدودنا الأوائل -رحمهم الله-، حيث عثرت عن أقدم وثيقة مؤرخة بعام 1197 هـ، وهو ما يتطابق مع ما ذكره لي نقيب السادة الصرخة في العراق السيد علي بن حسين الصرخي بأن نزوحهم من بلاد الحجاز ونزولهم بلاد العراق كان في أواخر القرن الثاني عشر الهجري.
وعليه فعقب الأمير صرخة بن إدريس هم اليوم متواجدون في ثلاث مناطق جغرافية، في بلاد المخلاف السليماني (منطقة جازان) وسيأتي تفصيل ذلك ، وفي بلاد اليمن من جهة وادي مور العظيم في قرية تسمى المسلام بمحافظة الزهرة ، وهي من قرى الأشراف أسسها أحد أمراء المخلاف في القرن الحادي عشر الهجري ، والفرع الثالث متواجد في العراق في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان كما ذكر لي ذلك السيد علي بن حسين الصرخي نقيب السادة الصرخة في العراق .